الجمعة، 10 أغسطس 2018

Eighth graders don’t cry ما بين حُسن الإنسانية وقُبح المرض




هل الموت مؤلم؟ سؤال عابر تطرحه بطلة الفيلم!



 أن تبكي بين ثانيةٍ وأخرى، أن تجلس أمام شاشة منيرة وتفقد السبل لكفكفة الدموع التي تنهال من أعينك، أن يسيطر عمل درامي على كل منافذ مشاعرك وأن يتخلل إلى الأعماق في مدة وجيزة، ومن ثمَّ تُعيد من خلاله نظرتك إلى الواقع، أو تُقرر لخبرة تركها بالذاكرة، أو بمشاعر غرسها بهدوء وحرفية تامة أن تُبدِّل طريقة تعاملك مع الواقع، هو أن تشاهد الفيلم الهولندي
Achtste Groepers Huilen Niet (English: Eighth Graders Don't Cry) أو كما يُعرف أيضا ب (Cool Kids Don't Cry)
فيلم دراما عائلي مقتبس من رائعة روائية للكاتب (Jacques Vriens) وهو من أشهر الكتاب الهولنديين المختصين بأدب الطفل، وإن تطرقنا بعيدًا عن المحور وتحدثنا عن ماهية أدب الطفل، بأنه ظهر حديثًا بعد الحرب العالمية الثانية؛ لينتشر أكثر مع إعلان حقوق الطفل عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأنه يتكون من أعمال شفهية، مكتوبة، مرئية ورقمية لديها القدرة على تنمية النواحي الذهنية والعاطفية لدى الأطفال"؛ يعرِّف (هادي نعمان الهيتي) أدب الأطفال في كتابه (أدب الأطفال، فلسفته، فنونه، وسائطه) بقوله: "أدب الطفل هو الآثار الفنية التي تصور أفكارًا وإحساسات وأخيلة تتفق مع مدارك الأطفال وتتخذ أشكال: القصة، الشعر، المسرحية، المقالة والأغنية"، فإن عدنا للحديث عن كاتبنا من خلال رؤية المُشاهد للفيلم فإنه قد حقق المفهوم عينه؛ حيث ألتزم في رائعته بتجسيد الضوابط النفسية، الاجتماعية، التربوية، المهنية.




المجتمع المدرسي منظومة كاملة متكاملة مغلقة على نفسها، مجتمع شامل لابد أن يؤخذ على محمل الجد، الضغوط والتعاملات الإنسانية وعلاقات الصداقة، كل ذلك يُبنى ليكتمل ويستمر من هذه المراحل حتى يكوِّن من نحن عليه الآن، مجتمع واعي بكل ما هو حوله تمامًا، الكلمة الواحدة تؤثر، الصداقة الحقيقية تُعالِج، نصائح المعلم ورقي فكره يفيد.
أكي طالبة بالصف الثامن -على غير العادة- تهوى كرة القدم وتبرع فيها، تجد من زملاءها المشجعين والمرحبين المتحمسين لها ولموهبتها، وكالعادة في جميع الأعمال الدرامية، من يكون متميزًا دون غيره، الحاصل على الإنتباه المُلفِت للجميع، النشط العفوي صاحب الإيجابية، الفريد من نوعِه، يقع عليه العبء الدرامي المأسوي، أو فقط يكون خير تجسيدٍ لحقيقة الدنيا، بعد دقائق من بداية الفيلم تُشخَّص على أنها مريضة لوكيميا، يتم حجزها بمستشفى، بجانب من عفويتها تصمم على التحسُّن ومقاومة المرض بشيء من شغف حبها لكرة القدم، ويلتف حولها والديها أصدقاؤها والطبيب المعالج مع عدم اليقين بشفائها ولكن بجانب كبير من الحنو والإنسانية.


الإنسانية هي غذاء العلاقات الاجتماعية وقوة صمودها، الإنسانية رتبة يصل إليها البعض، المعلمة التي حظيت بها أكي في فصلها الدراسي أقرب لوصفها أنه عندما تتجسد الإنسانية ولباقة الفكر والتصرف في هيئة شخص، أحيت القيم التربوية والتعليمية في كل مشهد ظهور لها في الفيلم، أجادت إحاطة المشدات الطلابية الاعتيادية، سهلَّت الأمور، وعند علمها بمرض أكي كانت أول من له بادرة إنسانية عاطفية راقية، حثَّت جميع أصدقاء أكي برسم ذكرى تجمعهم مع أكي ممزوجة بعبارات تفاؤلية متمنيين لها السلام.
الأصدقاء هم من يجيدون فهم الصمت، وإن تحدَّثوا أجادوا الحديث، والصداقة من الصدق، وما هو صادق فهو صحيح ومستمر، خير مثال للأصدقاء بكل تصرفٍ هو ما همَّ بفعله أصدقاء أكي، خلال كل مشهد بتفضيل معنى الصداقة والحفاظ على مشاعر الآخر، وإلمام المواقف المحرجة بقولٍ طريف بديهي سريع حفاظًا على المشاعر، ألا يبخلوا بوقتٍ أو جهد لخدمة أكي أو فعل ما يدخل السرور إلى قلبها دون أي نظراتٍ مشفقة، فقط يفعلون بدافع الصداقة والحب المخلص.

وبعودةٍ إلى معلمتهم وتطبيقها المهنية المحترفة، أجادت نقل حالة أكي الصحية إلى طلابها وتوعيتهم كي يكونوا متفهمين –إنهم مجرد طلاب بالصف الثامن-، دون ذلك فقد ذهبت إلى المستشفى لتعليم أكي ما ينقصها من الدروس التي تغيبت عنها، بجانب من الإنسانية والإخلاص التي نتمناها أن تكون في كل من يمتهن تلك المهنة، تناقش معها شغفها بكرة القدم، وتهدء من قلقها حول عدم المشاركة في نهائي مسابقة كرة القدم.



"لا محبة دون عداوة"، من كان يثير غضبها وإحباطها، بنهاية الفيلم وبمدخلٍ من الحب، سيكون أكثر متفهمٍ لحالتها الصحية، ويساعدها بنهاية المطاف، ويحافظ على كبرياؤها رغم وهن المرض الذي فتك بنشاطها وعفويتها.
روح عامة تعم المستشفى بالتفاؤل والتعاطف والتفهم الجيد ليس فقط للحالة المرضية ولكن الحالة النفسية، والمساهمة بكل ما بهم من جهد ومشاعر ووقت.

الفيلم وإن سلَّط الضوء على مرض اللوكيميا الذي قد يصيب أطفال ولم يصبح مكتفي فقط بالكبار سنًا، إلا أنه يحمل بين طياته حالة المجتمع الذي يجب أن يكون شبيهًا بالمجتمعات الصالحة بشتى جوانبه، يعلمنا الرُقي...
وبالطبع حصل على جوائز عدة منها
جائزة الفيلم الذهبي، جائزة Golden Calf Audience Award في مهرجان الفيلم الهولندي ، جائزة Rembrandt لأفضل فيلم للشباب الهولندي ، جائزة Rembrandt لأفضل ممثلة هولندية رشحت إليها حنا أببيك، جائزة Rembrandt لأفضل أغنية فيلم رشحت إليها كيم ليان فان دير ميج، جائزة الجمهور لأفضل فيلم روائي طويل في أطفال، وأفضل فيلم للأطفال في مهرجان الصين الدولي لأفلام الأطفال.

الموت لا يعرِّف سنًا، وقد يتخلل المرض في حياة شخصٍ بين لحظة وتابعتها، فقط كن إنسانًا بما فيه الكفاية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

علاقاتٌ تاريخية ومصيرٌ واحد.

أشرقت شمس السماء وأشرقت معها حضارتان أضاءت الأرض بنورِهما وعرَّفت البشرية أن مِن عراقة الشعوب وتراثها؛ تتحق الإنجازات، وأنه بالس...