الخميس، 18 مايو 2017

قارئة الفنجان



حُسنة...


ولأول خاطرة يصادف اسم على مسميه، تُسمى حُسنة وهي حَسِنة الوجه والكلام، حَسِنة الطالع والاستبشار، تبشرنا بما هو قادم، وتمسك بايدينا وتشدد بأن ما سيأتي هو خير لنا، تحذر ولكن بابتسامة فاقت جمالها جمال قمر مشرق بليلة بها نسمات برد عليلة تنعش الصدر، تريح الفكر وتُنشي النفس.

شعور مختلف عن غيره لم يصادف له مثيلا بوقع أحداث داومت على الحياة، بمجرد النظر إليها دون أن تنطق بنبت حرف من ثغرها، عيناها وكأنهما غطاء يسدل سطحه الحرير، ناعم على الجسد، دافئ على الروح، تأخذك بنظرة غير مقصودة -وإن كانت غير مباشرة- إلى مكان وددت أن تمكث به لتبتعد وتبتعد عن ضغوط هامت على نفسك وأثقلت كتفيك.
فما بالك حين تُحيّك وتتحدث وتلتزم الابتسام بين كل كلمة وتابعتها.

لا أعرف وصف حقيقة الشعور بها، ولا أضعها تحت مسمى لعلاقة بشرية سائدة بينكم، حالة لا تكتفِ بوضع صفات نقية تشملها المودة برحابها، وتضمها ما بين قوسين ولا تغلق يساره، بل أقرب لوضع كلمات والانتهاء بثلاث نقاط وترك القوس مفتوحا.

حُسنة قارئة الفنجان، تدعوك بحجرتها الخاصة للجلوس والراحة، تنتقل بخفة طائر أبيض بين أرجاء الحجرة كي تُحضر لوازم إعداد القهوة، تستضيفك، ترحب بك، تبتسم، تسألك أي قهوة تفضل -وإن كانت كل قهواتها مفضلة لدي طالما مقدمة من يدها- تطلب منك الشرب على المهل، وتداوم على قول اتخذ وضع مريح، تشغلها راحتك أكثر مما تشغلها راحتها.

يحضرها ملاكان من ساكني الأرض أحدهم يعتنق الإسلام والآخر يعتنق المسيحية، لن أُفصح عن اسمائهم احتراما لطلبهم، يزورون زائرين حُسنة ويلِّحوا على العودة معهم لمنازلهم للاطمئنان عليهم إن كان بالطالع نذير لسوء أو داعٍ لقلق، يحذرون من وقوع أمرا، يلاطفون الجو، يأتون بأخبار ووقائع لم تخب يوما وتبتعد عن الصدق.

تقرأ أشكال وتأتي بتفسيرات، ترى رموزا وتحللها، تتلفظ باسماء وتخبرنا بصلة ستجمعنا بها، تدقق، تمعن النظر، تخبرنا أن نستريح لأن ما نشعر به يأتيها، تخبرنا بليلة أمس أننا شعرنا بألم بالرأس أو خدر في جانب من الجسد وتصيب في كل مرة، تشير إلينا على طريق نخشى العبور به وتحدثنا بأنه آمن به خير، تنذرنا من طريق نحن بصدده وتتحدث أشبه بطفل يريد حلوى ولا يمل من الطلب، فحديثها أشبه لرجاء.

ذكية هي مخلصة محبة لنا، علمت وتأكدت من تصديقنا إياها، ولذلك إن كنا بصدد عمل سيء، لا تخبرنا وكأنها نصيحة، بل تقول أرى بنهاية الفنجان طير أبيض جميل وتغمض عيناها وتبتسم وتخبرنا أن هذا دليل على توقف تلك العادة السيئة بنبرات صوت تأكيدية.


حُسنة اشتقت لك ولملائكتك ولفنجان قهوتك، تحياتي لك، وأعلم أن ملائكتك ستخبرك بحديثي هذا...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

علاقاتٌ تاريخية ومصيرٌ واحد.

أشرقت شمس السماء وأشرقت معها حضارتان أضاءت الأرض بنورِهما وعرَّفت البشرية أن مِن عراقة الشعوب وتراثها؛ تتحق الإنجازات، وأنه بالس...