السبت، 1 يوليو 2017

الترجمة من الباطن...من المُستفيد؟!






كلماتٌ تستتر معانيها خلف لغةٍ غير مفهومة للكل، فتأتي الترجمة كسفينة والمترجم هو ربانها؛ كي يبحر بها، وينتقي كل ما يمس روحه من مشاعر وما يراه مفيدًا مثمرًا، ليترجمه فينقل ثقافات مختلفة تعم الأفق، ويكون هو حلقة وصل ناشطة تنقل علمًا، ثقافةً، قصصًا، مقالات وروايات.
المترجم قارئ باحث مدقق، ينتقي نصًا، يعبر عنه أو عن موضوعٍ يحاز شغفه، ثم يقرر ترجمته، المترجم كاتب ولكن بصورة أكثر عمقًا، ينتهي من ترجمة وسرد عملٍ، يكَّلل اسمه على رأسه كتاجٍ يغنيه عن المشقة الممتعة التي عايشها أيام وليالٍ.
هذا هو الجانب المشرق في سوق الترجمة المتعارف عليه للبعض وخاصةً الشباب منهم المُقبل على مزاولة ذلك العمل بكل نشاطٍ وحيوية، إلى أن يقع في بادئة الطريق فريسة لتجار الترجمة الغير شريفة –أو بمعنى أكثر مهنيةً الترجمة من الباطن-، عن طريق طرق عديدة، لا يستطيع عقل حيوي مُقبل على العمل تَصُّوره؛ لأن حينها لا يوجد صوب عينيه سوى حلم الترجمة وأن يكون مترجمًا.
الترجمة من الباطن هي شخص يترجم ثم يؤجر على عملِه بالمال-وإن كان مال أقل عما يستحقه- بشكل أشبه بتهريب بضائع ممنوع تداولها بسريةٍ تامة والآخر من يكتب اسمه على العمل تحت مُسمى المترجم، ويثنسب له كل الجُهد والتقدير والنباغة الثقافية.

تباين أنواع المترجمين من الباطن لنجد أنفسنا أمام:

_ من باعوا جهدهم أمام المال البخث، بمنتهى الرضا التام، بحجة النظر لظروف الشباب، وأنها وسيلة سريعة لتحقيق مكسب مادي وإرضاء شغف الترجمة، فالترجمة دون وسيط ترى نتاجها بعد أكثر من خمس سنوات بتعب ومثابرة متواصل.
_ النوع الذي يظن نفسه واعٍ ولكنه غير مدركٍ قط، يترجمون ويأخذون المال، ولكن غرضهم ليس المال أولا عن آخر، غرضهم التعلُّم والممارسة اللغوية، والغرض طويل الأمد هو أن يشفق عليهم الزمن ومن يترجمون لصالحهم، أن ترجمتهم تُنسب إليهم.
_ المستغَلُّون المتجددون دائمًا، أولئك من يترجمون عملًا واحدًا ومن ثمَّ يُستبدلون بغيرهِم، ونلتمس لهم عدم درايتهم، ونشفق عليهم بسبب تعرضهم للنصب الخامِد لعزيمتهم.
السوق لا يحمي المغفلين، تعددت طرق النصب في تلك النقطة خاصةً؛ فنجد من تم وعدهم أن النص سيُنشر باسمهم ولكن نصحو على غير ذلك فتُمثل له صدمة تعيده مسافات ومسافات إلى الوراء حتى يبدأ ثانيًا ولكن يلازمه شعور الخوف والتخوين، هذا وإن بدأ.
 من يترجمون ثم يعيدون النص للمراجع فنجده بكل كذبٍ ونصب الظاهر منهم العنجهية والتسلط، أن الترجمة دون المستوى وأنها كارثة بكل المقاييس لا يستحق منها المال أو أن تُنسب إليه ويُذكر عليها اسمه، ليجد بعد ذلك أن ترجمته نُشرت كما هي حتى دون تعديل –وهنا لن نتطرق إلى حال ذلك المُترجم حتى لا ننتقل إلى خانة الدراما-.
وأخيرًا
_المترجمون أصحاب النشاط المشتركون بالورش الترجمية، أو الطلبة الجامعيون، الذين يستغلهم من لهم سلطة عليهم بترجمة بعض النصوص بستر أنه إلزام تعليمي مكلَّفين به، إثراءً للغتهم بهدف تعليمهم، وفي الجانب المظلم أن ترجماتهم تُنشر لجهات أخرى باسماء قامات مزيفة.


الترجمة من الباطن..من المستفيد؟!
للإجابة على ذلك السؤال علينا تحديد الجهات المشتركة في عملية الترجمة، وماهية الإفادة.
الجهات المشتركة ليست فقط أشخاص أو مصالح شخصية فقط، والفائدة التي تعم عليهم ليس مالًا أو اسم مدوَّن فقط،
نحن أمام مترجم من الباطن (الحقيقي)، ويستفيد المال فقط وننتهي منه أو من طرح النقطة التي تخصه.
المترجم الزائف، ويستفيد مالًا ومناصب وسيرة ذاتية عظيمة مليئة بالإنجازات، ينال تصديق الناس واحترامهم له بل ويمجدونه ويجعلونهم قدوة، وهم في نهاية الطريق ليسوا سوى كاذبين ممولين أصحاب عقول تجارية ذكية ولكن في النصب فقط.
كل ما ذكرته وارد أن يأتي في تفكيرالبعض منكم، ولكن إن اتسع الثقب الذي ننظر من خلاله على الموضوع وتسائلنا من المُموِّل؟ إذ نجد أشخاص لا يحتكمون على المال الوفير بدأ نشاطهم يزدهر ويكلفون مترجمين من الباطن تتم محاسبتهم بالمال، فمن أين لهم هذا؟
عندما نجد أن سيل من الكتب المترجمة -غير أنها مترجمة من الباطن- لا تهتم بثقافة أو روايات أدبية أو تنقل علمًا، كتب تهتم فقط بموضوعات تخدم البلد المترجم عنها سواء بنشاط اقتصادي أو نقل سياسة وهمية تريد تصديرها للعالم، فمن المستفيد؟ وماذا استفاد؟

دائرة يتسع قطرها، تبدأ بفسادٍ صغير،
  بشخص يرضى أن يبيع ضميره وذمته يعمل في الخفاء مقابل مال لا يغني، حتى ننتهي بتشكيل فاسد كامل، لا نستطيع إلمامه.
إن أردت أن تقض على الفساد، عليك بإصلاح بنيته التحتية، والمترجمون الشباب أنتم البنية التحتية، لا تسعوا وراء دحض أنفسكم، وتقبلون بالقليل فلن تصلوا بالطرق الغير شرعية إلى الكثير، ولا تعلوا عليكم رؤوس خاوية من العلم والتحضُّر تشيع في الأرض فساداً بأسلوب غير راقٍ، لا يمتّ إلى المهنة بصلة.
 فقط أبدأ بنفسك. هذا هو المطلوب.

الترجمة لمن هم معززون بالمعرفة والرقي والتحضر، الترجمة مهنة المثقف صاحب الضمير الحي، مهنة راقية فلا تدنسوها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

علاقاتٌ تاريخية ومصيرٌ واحد.

أشرقت شمس السماء وأشرقت معها حضارتان أضاءت الأرض بنورِهما وعرَّفت البشرية أن مِن عراقة الشعوب وتراثها؛ تتحق الإنجازات، وأنه بالس...