لطالما كان التعليم غير المُتكافئ قضيةَ بحثٍ محورية تخص الطبقات
الاجتماعية؛ حيث أن أنماط توزيع الفرص التعليمية بين صفوف الأهالي عاملٌ مهم يؤثر
من خلال نظام الطبقات الاجتماعية، في الوقت نفسِه، تُعد المساواة في توزيع الفرص
التعليمية مؤشرًا هامًا لقياس درجة العدالة الاجتماعية. ففي أي مجتمعٍ نجد توزيع
الفرص التعليمية بين فئاتِه ليست على قدم المساواة تمامًا؛ بعض الفئات تتمتع
بأكثرية الفرص التعليمية في حين أن البعض الآخر لديهم فرص أقل. يعود ذلك للخلفية
العائلية للأسرة، بالإضافة إلى بعض العوامل الاجتماعية الأخرى-كالتمييز بسبب
العنصر، العرق، الجنس، أو حالة الهجرة-، التي قد تؤثر على الفرص التعليمية المتاحة
للفرد. فهل ستظل هذه الفوارق من عدم المساواة دون تغيير، أم ستتغير مع التَغيُّرات
الاجتماعية والاقتصادية؟ هل سيكون اتجاه التغيُّر رأسيًا ارتفاعًا أو انخفاضًا أم سيظهر
بشكل أشبه بالمنحنى؟ ماذا ستكون المُسبِبات المؤدية لهذه التَغيُّرات؟ هذه التساؤلات
تحتاج إلى علماء متخصصين للإجابة عليها. يراقب الباحثون باهتمامٍ بالغٍ في مجالات
البحث المعنية ما إذا كانت التنمية الاجتماعية والاقتصادية (مثل ارتفاع مستويات التصنيع
والتحضُّر) وما يترتب على ذلك من توسعٍ في نطاق التعليم، ستؤدي بدورِها إلى انخفاض
درجة عدم المساواة في التعليم أم لا؟
بالنسبة إلى الوضع في الصين، فمنذ عام
1949، يشهد مستوى التنمية الاجتماعية والاقتصادية
تحسُّنًا مستمرًا، كما أن نطاق التعليم يواصل توسُّعَه، وعدد الفرص التعليمية
آخذٌ في الازدياد، إلا أن درجة التفاوت وعدم المساواة في التعليم لا تُبين حالةً
من الانخفاضِ المستمرِ. منذ بداية القرن 21، في ظل تعميم التعليم
الابتدائي ورفع مستواه، ارتفاع معدلات الاتحاق بالتعليم الثانوي بشكلٍ ملحوظ،
والتوسُّع السريع في أساسيات التعليم العالي، على النقيض، تتفاقم حدة الرأي العام
من الجمهور بشأن عدم المساواة في التعليم يومًا بعد يوم، كما تزداد الانتقادات
اللاذعة تجاه سياسات الحكومة المتعلقة بالتعليم. في الوقت نفسِه، تُظهر بعض الدراسات التجريبية لعلم الاجتماع
والتربية أيضًا زيادة في عدم المساواة في الفرص التعليمية، ومن أبرز أوجه عدم المساواة
التعليمية المثيرة للانتباه هي عدم المساواة في الفرص التعليمية بين المناطق الحضرية
والريفية، ولذلك فتلك القضية مجالٌ للبحث الأكاديمي في الصين كما أنها أيضًا واحدة
من القضايا الساخنة التي تتناولها وسائل الإعلام بالمناقشة.
هناك
نظريتان متعارضتان في مجال أبحاث علم الاجتماع الدولي لاتجاه التغيير المعاصر لعدم
المساواة في التعليم. أول نظرية هي (industrialization
thesis) نظرية
التصنيع، والتي يطلق عليها الباحثون مُسمَّى فرضية التصنيع. هذه النظرية تتنبأ أنه
مع تحسين مستوى التصنيع، سيضعف تدريجيًا تأثير الخلفية العائلية وغيرها من العوامل
الأُخرى على التعليم، وخاصة أن تنافسية الحصول على الفرص التعليمية تعتمد بشكل
متزايد على الدوافع الذاتية، مما يترتب عليه انخفاض مستوى عدم المساواة في الفرص
التعليمية. ثاني نظرية هي نظرية الاستنساخ. على النقيض من نظرية التصنيع، نظرية
الاستنساخ (كولينز 1971)، والتي ترى أن التعليم استنسخ أصل النُظم الطبقية
والتصنيف الطبقي؛ فنجد أن أبناء الطبقة العليا والمتوسطة أو الطبقات المهيمنة من
خلال التعليم هم من حصلوا على وضع اقتصادي واجتماعي عالي، وأبناء الطبقة الكادحة
والفئة المحرومة بسبب فقدانهم للفرص التعليمية نجدهم فقط في الوضع الاقتصادي
والاجتماعي الأدنى، وهكذا ومن خلال اختيارمنهجية النظام التعليمي، يتم تمرير وضع
الطبقات الاجتماعية عبر الأجيال.
هناك واحدة من الفرضيات النظرية الأكثر أهمية في مجال عدم المساواة التعليمية هي MMI (الحفاظ على أكبر قدر من عدم المساواة)
، وهي مشتقة من نظرية الاستنساخ، MMIهذه الفرضية تعتقد أن في كل الأحوال لم تصل زيادة الفرص التعليمية للطبقات العليا والمتوسطة أو الطبقة المهيمنة إلى حالة التشبُّع التعليمي (تشير إلى أن أكثر من 80% من أبنائهم يمكنهم الحصول على التعليم)، وأن عدم المساواة في الحصول على الفرص التعليمية سيظل دون تغيير ( انظر إلى لي تشونغ لينغ 2010) ([1]).
هاتان النظريتان في الأساس تُستخدمتان لتفسير اتجاه عدم المساواة في التعليم بين الطبقات الاجتماعية، ولكن ورد ذكرهما في الأعلى؛ لأنه قد أشار العلماء إلى تلك الرؤى النظرية خلال مناقشة التفاوت في التعليم بين المناطق الحضرية والريفية؛ حيث أننا نجد عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع الصيني بين المناطق الريفية والحضرية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالنظام الطبقي وتصنيف الفئات. كما يؤدي تقسيم هوية تسجيل الأسر المعيشية في المناطق الحضرية والريفية إلى تواجد طبقة الفلاحين في أدنى طبقات النظام الاجتماعي، مما يجعل وضعهم الاجتماعي والاقتصادي هو الأقل من بين الطبقات الأُخرى، بالإضافة إلى تنافسية الحصول على فرص تعليمية هي أيضًا في وضعٍ سيء.