الجمعة، 14 أبريل 2017

تحول المرض النفسي إلى شماعة للأخطاء



من منا لم يعد يفتخر بأنه مريض نفسي ويسارع نحو الاثبات بالدلائل والبراهين؟!

علم النفس والقراءة فيه يعنى بفهم السلوكيات وتفسيرها والتنبؤ بها والتحكم فيها، لتحقيق معناه وغرضه؛ تعددت مدارسه وفروعه، هو علم ممتع دراسته ليست سهلة.
خلال الآونة الأخيرة انتشرت المصطلحات النفسية وتحليلها -على وجه التحديد بين الشباب- بغية التثقيف الذاتي لرصد تطورات السلوك وأسبابه ودوافعه وفهم أنماط الشخصيات المختلفة أو من منطلق أنه إذا أردت أن تفهم كيف هو العالم عليك بفهم نفسك أولا...

 أصبحنا نرى عبر المواقع والصفحات الإلكترونية استساغة الحديث عن الأمراض النفسية تحت عناوين مثل:
15 علامة تدل على أنك مريض نفسي
كيف تتأكد من أنك مريض نفسي؟
أجب عن 10 أسئلة كي تعرف مستوى المرض النفسي لديك
المرض النفسي لم يعد جنونا...تعرف على جوانب مرضك

 كل منا يقرأ ليحلل شخصيته كي يعلم أي اضطراب أصابه وأي مصطلح نفسي يندرج في رحابه مرضه، وبشكل أوسع كي يحلل نفوس الآخرين ويلقي بمصطلح نفسي يكسبه ثقة الكلام ويظهره كمجيد لقراءة الأشخاص.



الاضطراب النفسي كتفسير علمي هو نمط سيكولوجي ينتج عن شعور بضيق أو بعجز يصيب الفرد.
 في الوقت الحالي تم تصوير الاضطراب النفسي كناتج عن عمليات ارتقائية شكّلها التفاعل المعقد بين العوامل الوراثية والتجارب الحياتية، أو بصيغة أخرى أن من يتعرض منا إلى اضطراب نفسي بمرحلة حياتية معينة -وإن كان واجب الحدوث- يعود سببه إلى نقاط ضعف وراثية أو تربوية خلال سنوات النمو تظهرها عوامل الضغط البيئية بشكل ملحوظ.

ما نحن بصدده اليوم، من خلال نظرة موسعة على المجتمع بخاصة فئاته الشبابية، فكل فرد منا قد أصبح يحل لنفسه تفسير سلوكه من خلال قراءة عابرة لصفحات تستهوي الكلام عن النفس البشرية، تحت عناوين تثاقلت مصطلحاتها، تدعي كونها كلام هادف، في صميم التفسيرات السلوكية، لكنها لا تعدو في الحقيقة كونها مجرد فتاوى تتراءى لنا معنونة بشكل جيد، تدل على العلم.

 فماذا لو صدقنا أننا مرضى
نفسيون، وما قرأناه مفسرا دل على سلوك نقترفه؟
ماذا لو علمنا به دون المعرفة؛ فالعلم بالشيء هو إدراكه من خلال البحث، أما المعرفة هي إدراكه من خلال التفكير والتفكُّر ثم التدبر-العلم يختص بالمجمل أما المعرفة تختص بذات الشيء- فعاد ذلك على الشخص بوهم مرض نفسي يعتمد على افتراضات عامة، تقوم بها عمليات عقلية من خلال إدراك حسي دون دلالات مؤكدة، ناتجة عن دراسات متعمقة لسيكولوجية ذلك الشخص.


يقول ريتشارد دوكينز وهوعالم بيولوجيا تطورية وإثيولوجيا أن " الوهم هو شيء يؤمن به الناس بالرغم من عدم وجود أدلة"، فماذا لو توهّم الشخص، وزادت درجة توهمه حد التصديق لنفسه، وغدا يلقي لوم نتائج أفعاله على مرض نفسي ليس له وجود في واقع سلوكه!، وأخذ يبيح لنفسه سلوكيات طالما لديه تبرير وهو مرضه النفسي.




مثال على ذلك: من يضرب أبناءه ثم قرأ أن من يضرب أبناءه قد تعرض للضرب والعنف وهو صغير فأصبح يبرر ذلك بضرب أبيه له عندما كان طفلا، النفوس تختلف من شخص لآخر، شخص يؤثر به موقف وشخص آخر مع نفس الموقف يتعامل معه على أنه عابر بلا أثر دون حتى ملاحظته، فليس كل من تعرض للضرب وهو صغير وجب عليه حين الكبر أن يقوم بنفس الأفعال، ولكن من هؤلاء الأباء عندما علموا أن هناك تبريرا مفصلا لا يلقي عليهم عاتق فعلهم ظلوا يتمادون فيه دون تفكير أو حتى تأنيب ومغالطة النفس.
مثال آخر: الطفل الذي تربى على إهانة والديه له بالسب أو بوصفه بنعوت سلبية، عند علمه مثلا أن من سُب بالفشل صغيرا من الممكن أن تترسخ تلك الصفة بعقله الباطن وتُنفذ دون وعي؛ فيتخذ موقفهم مبررا لفشله وشماعة أخطاء ويقوم بإلقاء اللوم عليه.








أشار عالم النفس سيغموند فرويد إلى ذلك قائلا أن " النفس البشرية مليئة بالإضطراب والتخيل، وكثير من الذين يعيشون في أوهام ينحدر بهم الطريق إلى الجريمة والجنون".
نعلم أن أسعد لحظات المريض حين يتحدث عن آلامه مسترسلا وأمامه من يصدقه ويتخذه على محمل الجد مؤكدا على حديثه، يسترجع معه ماض يحكيه ويُحاكي به الواقع للبحث عن أي سبيل تأكيدا على مرضه. 






يصيبه الوهم بداء التشتت والجنون؛ فيتحول لمريض حقيقي يجتر الآلام، يبحث عن الأصول، يفتش عن الماضي، ويبدأ بتذكر أي موقف كاد أن يؤثر فيه حينها أو ترك أثر بنفسه، ثم يعلل كل سلوك هو عليه بما حدث، ولا نجد حينها إلا شخص احتجز نفسه داخل مرض، تأثيره عليه أصبح نفسيا، عضويا وعقليا.



فكيف نفرق بين المريض النفسي الحقيقي عن غيره؟


 كيف نقوّم المدعي صاحب شماعة التبريرات؟

كيف نعالج من توهّم المرض النفسي حتى أصابه؟





بحديث الدكتور النفسي يحيى الرخاوي خلال لقاء تليفزيوني أوضح أن ما نواجهه اليوم هو مشكلة كلمة (لماذا)، وأنها معطّلة للطب النفسي، ويصحبها فكرة أن الدكتورالنفسي شخص للفضفضة.

 طرح السؤال الاستفهامي والتفتيش عن إجابة في الماضي لكلمة (لماذا) تجعلنا ننحصر بالماضي ونتحول لمن لا حيلة لهم ونعيش دور المسكين الذي أتى عليه الزمن ولم ينشأ نشأة سوية بالقدرالذي يخرجه سليم معافى نفسيا؛ لذلك لا يصح لنا الإكثار من (لماذا) إلا إذا تبعناها ب (ماذا) ثم (إذاً ماذا)، أي إذا كنا نريد معالجة أمراضنا النفسية سواء أكانت حقيقية أو متوهمة وعرفنا إجابة جميع أسئلة (لماذا) ننتقل للمرحلة التي تليها ونسأل ماذا علينا فعله ثم إذاً ماذا سينتج.

والفضفضة لا تصح مع الكل؛ فالكثير تزيدهم توهما؛ وتجعلهم يختلقون مواقفا؛ فيقبعون في دور الضحية.
إذا إن أردت أن تقرأ ثم تحلل شخصيتك عليك أولا بالتمييزالواعي العقلي دون الانجراف، وثانيا الحرص التام على أنك لن تحتجز نفسك في الماضي وإذا اكتشفت مشكلة ما تعاني منها عليك ب (إذاً ماذا) والعمل على تعديل السلوك دون اتخاذ المرض شماعة للأخطاء.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

علاقاتٌ تاريخية ومصيرٌ واحد.

أشرقت شمس السماء وأشرقت معها حضارتان أضاءت الأرض بنورِهما وعرَّفت البشرية أن مِن عراقة الشعوب وتراثها؛ تتحق الإنجازات، وأنه بالس...